سورة يوسف - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


قوله تعالى: {واستبقا الباب} يعني يوسف والمرأة، تبادرا إِلى الباب يجتهد كل واحد منهما أن يسبق صاحبه، وأراد يوسف أن يسبق ليفتح الباب ويخرج، وأرادت هي إِن سبقت إِمساك الباب لئلا يخرج، فأدركته فتعلقت بقميصه من خلفه، فجذبته إِليها، فقدَّت قميصه من دبر، أي: قطعته من خلفه، لأنه كان هو الهارب وهي الطالبة له. قال المفسرون: قطعت قميصه نصفين، فلما خرجا، ألفيا سيدها، أي: صادفا زوجها عند الباب، فحضرها في ذلك الوقت كيد، فقالت سابقةً بالقول مبرِّئةً لنفسها من الأمر {ما جزاءُ من أراد بأهلك سوءاً} قال ابن عباس: تريد الزنا {إِلا أن يسجن} أي: ما جزاؤه إِلا السجن {أو عذاب أليم} تعني الضرب بالسياط، فغضب يوسف حينئذ وقال: {هي راودتني}. وقال وهب ابن منبِّه: قال له العزيز حينئذ: أخنتني يا يوسف في أهلي، وغدرتَ بي، وغررتني بما كنت أرى من صلاحك؟ فقال حينئذ: {هي راودتني عن نفسي}.
قوله تعالى: {وشهد شاهد من أهلها} وذلك أنه لما تعارض قولاهما، احتاجا إِلى شاهد يُعلَم به قول الصادق.
وفي ذلك الشاهد ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه كان صبياً في المهد، رواه عكرمة عن ابن عباس، وشهر بن حوشب عن أبي هريرة، وبه قال سعيد بن جبير، والضحاك، وهلال بن يساف في آخرين.
والثاني: أنه كان من خاصة الملك، رواه ابن أبي مليكة عن ابن عباس. وقال أبو صالح عن ابن عباس: كان ابن عم لها، وكان رجلاً حكيماً، فقال: قد سمعنا الاشتداد والجلبة من وراء الباب، فإن كان شقُّ القميص من قدَّامه فأنتِ صادقة وهو كاذب، وإِن كان من خلفه فهو صادق وأنت كاذبة، وقال بعضهم: كان ابن خالة المرأة.
والثالث: أنه شقُّ القميص، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد، وفيه ضعف، لقوله: {من أهلها}.
فإن قيل: كيف وقعت شهادة الشاهد هاهنا معلَّقة بشرط، والشارط غير عالم بما يشرطه؟
فعنه جوابان ذكرهما ابن الأنباري:
أحدهما: أن الشاهد شاهد بأمر قد علمه، فكأنه سمع بعض كلام يوسف وأزليخا، فعلم، غير أنه أوقع في شهادته شرطاً ليَلزم المخاطبين قبولُ شهادته من جهة العقل والتمييز، فكأنه قال: هو الصادق عندي، فإن تدبر تم ما أشترطه لكم، عقلتم قولي. ومثل هذا قول الحكماء: إِن كان القَدَر حقاً، فالحرص باطل، وإِن كان الموت يقيناً، فالطمأنينة إِلى الدنيا حمق.
والجواب الثاني: أن الشاهد لم يقطع بالقول، ولم يعلم حقيقة ما جرى، وإِنما قال ما قال على جهة إِظهار ما يسنح له من الرأي، فكان معنى قوله: {وشهد شاهد} أعلم وبيَّن. فقال: الذي عندي من الرأي أن نقيس القميص ليوقَف على الخائن. فهذان الجوابان يدلان على أن المتكلم رجل. فإن قلنا: إِنه صبي في المهد، كان دخول الشرط مصحِّحاً لبراءة يوسف، لأن كلام مثله أعجوبة ومعجزة لا يبقى معها شك.


قوله تعالى: {فلما رأى قميصه} في هذا الرائي والقائل: {إِنه من كيدكن} قولان:
أحدهما: أنه الزوج. والثاني: الشاهد.
وفي هاء الكناية في قوله: {إِنه من كيدكن} ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها ترجع إِلى تمزيق القميص، قاله مقاتل.
والثاني: إِلى قولها: {ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً} فالمعنى: قولكِ هذا من كيدكن، قاله الزجاج.
والثالث: إِلى السوء الذي دعته إِليه، ذكره الماوردي. قال ابن عباس: {إِن كيدكن} أي: عملكن {عظيم} تخلطن البريء والسقيم.


قوله تعالى: {يوسف أعرض عن هذا} المعنى: يا يوسف أعرض.
وفي القائل له هذا قولان:
أحدهما: أنه ابن عمها وهو الشاهد، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه الزوج، ذكره جماعة من المفسرين. قال ابن عباس: أَعرضْ عن هذا الأمر فلا تذكره لأحد، واكتمه عليها. وروى الحلبي عن عبد الوراث: {يوسف أعرَضَ عن هذا} بفتح الراء على الخبر.
قوله تعالى: {واستغفري لذنبك} فيه قولان:
أحدهما: استعفي زوجك لئلا يعاقبَكِ، قاله ابن عباس.
والثاني: توبي من ذنبكِ فإِنكِ قد أثمتِ.
وفي القائل لهذا قولان. أحدهما: ابن عمها. والثاني: الزوج.
قوله تعالى: {إِنكِ كنتِ من الخاطئين} يعني: من المذنبين. قال المفسرون: ثم شاع ذلك الحديث في مصر حتى تحدَّث بذلك النساء، وهو قوله: {وقال نسوة في المدينة}، وفي عددهن قولان:
أحدهما: أنهن كن أربعاً: امرأة ساقي الملك، وامرأة صاحب دواته، وامرأة خبَّازه، وامرأة صاحب سجنه، قاله ابن عباس.
والثاني: أنهن خمس، امرأة الخبَّاز، وامرأة الساقي، وامرأة السجَّان، وامرأة صاحب الدواة، وامرأة الآذن، قاله مقاتل.
فأما العزيز، فهو بلغتهم الملك، والفتى بمعنى العبد. قال الزجاج: كانوا يسمون المملوك فتى. وإِنما تكلم النسوة في حقها، طعناً فيها، وتحقيقاً لبراءة يوسف.
قوله تعالى: {قد شغفها حباً} أي: بلغ حبُّه شَغاف قلبها.
وفي الشَّغاف أربعة أقوال:
أحدها: أنه جلدةٌ بين القلب الفؤاد، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والثاني: أنه غلاف القلب، قاله أبو عبيدة. قال ابن قتيبة: ولم يُرِدِ الغلاف، إِنما أراد القلب، يقال: شغفت فلاناً: إِذا أصبت شغافه، كما يقال: كبدته: إِذا أصبت كبده، وبطنته: إِذا أصبت بطنه.
والثالث: أنه حَبَّة القلب وسويداؤه.
والرابع: أنه داءٌ يكون في الجوف في الشراسيف، وأنشدوا:
وَقَدْ حَالَ هَمٌّ دُوْنَ ذَلِكَ دَاخِلٌ *** دُخُوْلَ الشَّغافِ تَبْتَغِيْهِ الأَصَابِعُ
ذكر القولين الزجاج. وقال الأصمعي: الشَّغاف عند العرب: داءٌ يكون تحت الشراسيف في الجانب الأيمن من البطن، والشَّراسيف: مقاطّ رؤوس الأضلاع، واحدها: شُرسوف.
وقرأ عبد الله بن عمرو، وعلي بن الحسين، والحسن البصري، ومجاهد، وابن محيصن، وابن أبي عبلة {قد شعفها} بالعين. قال الفراء: كأنه ذهب بها كل مذهب، والشَّعَف: رؤوس الجبال.
قوله تعالى: {إِنا لنراها في ضلال مبين} أي: عن طريق الرشد، لحبها إِياه. والمبين: الظاهر.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10